السبت، أبريل 21، 2012

النّظرُ إلى الأبديّةِ من الأرضِ الحَرام



1


الرجلُ الذي نفضَ عن بدَنهِ خلاصةَ السيمياءِ وآلةَ الصيفِ


سيتعيّنُ عليه أن يفكّرَ في عدّة اشياء قبل أن ينظر إلى الأبدية من الأرض الحرام.


عليه التفكير في:


ــــ مصائر الرجالِ في كردمند وزبيدات ومجنون ونهر جاسم


ــــ الورّاقون يدوّنون الغيب


ــــ الشجرةُ تعدُ الغابةَ بالأبديّة


ــــ المرأةُ التي تفرك النقطةَ بثباتها


ــــ الرجلُ يفرك الثباتَ بتحوّلاتِه


ــــ الصوتُ يصغي إلى نفسِهِ


ــــ الشيءُ يقولُ الكلمةَ


أو يقولُ الكتابَ ولا يأخذهُ بقوّةٍ


ــــ الصيفُ بجرعات كبيرة


ــــ القتيلُ التبس علينا بحياتِه


ــــ الهواءُ محمولاً


ــــ الهواءُ موجوداً وقابلاً ليكونَ الطريدةَ


ــــ وليد كشيش يلومُ الحياةَ على قلّتها






2


كان سيمضي لولا أنه تذكّر ما تركهُ في الأرضِ الحرام


سيتذّكر الصباحَ بحالٍ طفيفٍ من الرغبةِ






3


كان عليه التفريقُ بين الطيرِ وجناساتِها





4


كان سيمضي أيضاً


وكنت سأغبطهُ على موتِه


ووقوفِه على ما عاد به العداؤون في الليلةِ الماضية





5


يقول أشياء عن الحياةِ السائلةِ للماء






6


الكلدانيّ الذي لم يتذكّر الكتابَ جيداً


رأيتهُ بعد ذلك بعشرين عاماً


يعطّل ساعته


ليفرّق بين الوقتِ وجماداتِه


تحدّثَ معي عن حياةٍ سائلةٍ


وعن كناياتٍ طفيفةٍ


ووجودٍ يشبه عدّاءً عاد بمخطوطٍ


عن ترياقِ الحرب







7


ماذا سيكونُ عليك أن تدخلَ لتصلَ


إنّه جسدُك


المسْه ببطءٍ


تعرّفْ عليه


افركْه إن لزم الأمر


اخرجْ معه في رحلةٍ داخلية


هناك فحسب ستجده


وقد صعد إليه الوراقون بكتبهم


يدوّنون الغيبَ


ويرتدّون عنه إلى حياةٍ محجوبةٍ


انظرْ إليه


سيشبهك بعض الشيء


وسيعبره الهواء أيضا


يرتفع به قليلاً


قليلاً فحسب


وسترى إليه بكلّ الغياب الذي تدّخره في بدنك


منذ آخر حربٍ


سيبدو لأولِ وهلةٍ


منزوعاً من قوّة الغيب


وربما طاعناً في زواله


ولكنه سيدرك وجودك


سيتطلّع فيك


ويحدّثك عن أصدقاء الأرض الحرام


الحرب خطأ ضلّل نفسه


بصوابٍ لم يعرف بأمره أحدٌ


اصغِ إليه


سيكون الماءُ فراسةً عاطلةً


والغيبُ هواءً بالمقلوب


تطلّعْ فيه


حدّثْه عن موتك


أحدكما فقط سينجو


ليكن أنت هذه المرّة أيضاً


لأنه سيحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ


ليعتادَ على الحياة


وربما لن يعتادَ عليها أبداً


وبلا شكٍّ سيفكّر بما يتعيّن عليه أن يفعلَ


حتى لا يشبهك أكثر


ويموتُ من حياةٍ واحدة







8


يا له من رجلٍ


يعود بحياةٍ زاهدةٍ يحملُها الهواءُ


فلقد كان كعادتِه


سريعَ العطب







9


يحتفظ للزوال بألعابٍ


قابلةٍ لإطالةِ عذابه


وترياقٍ أعدّهُ محاربون قدامى


بعضهم لا زال يحصي عدمه







10


الحربُ كائنٌ سياميّ


يعرف طريقاً مختصراً جداً


وغير معروفٍ إلا للقلّةِ


من أجل تأبيد حيواتنا الفزعة







11


سنتذكّرُ في اللحظةِ الأخيرةِ


ما سيتعيّن علينا أن نفعلَه لنذهبَ إلى الجهة الأخرى من الحرب


ونعودُ لا مرئيين


نَصِفُ الماءَ بكناياتٍ سائلةٍ


ونَصِفُ الحليبَ بوقائعَ بيضاء







12


يحدث غالباً


أن تكمنَ مدينةً أخرى


لا نكرّرُها ولا ندركُ مادتها


مدينةً في المخيلة


أنهارُها ، صوابُها


قدرتُها على تأمينِ الموت


أو الصيفِ بجرعاتٍ كبيرةٍ


القادمون إليها


أولئك الذين احتاجوا بلا شكّ إلى فراساتٍ كثيرة


ليتمكّنوا من تأكيدها


لدرجة أن يكونوا قادرين على جعلها


مصنوعةً من مادةِ نفسِها


مدينة سيحدث الشيء خارجها


بجرعةٍ أقل هذه المرة


ستكون بارعةً في تضليل الأبدية


أشجارُها سائلةٌ لدرجةِ أنّها تُحملُ باليد


تتّخذُ فيها الأفكارُ


صورةً مطرودةً من مادتها الأصلية


أزهارُها تصلح لموتٍ سريريّ مفاجئ


طرائدُها لا تستسلمُ من أوّل موتٍ


والصيادون يعدّون كمائن للأشياء الثابتة


لأن مادةَ الصياد هي ذاتَها مادة الطريدة


رجالُها يضعون حدّاً لحياتهم بالحبّ


والنساءُ يغرقن من أوّل ماء


ليتعرّفن على ماهيته


مدينة لم يتحدّثْ عنها الفارابي


ولا جرّب فيها ابن سينا ترياقاً


سيمهله يوماً آخر


أو طريقاً مختصراً للنجاة


مدينة تستبطنُ الشيء


سيصلها عداؤون ماتوا في حرب سابقةٍ


عندما يخرجون على قوّة الفقد


مدينةٌ سائلةٌ


طرائدُها بيضاء







13


ستكون الكلمةُ ساحةَ الجريمة


النظرةُ كذلك


وسيأتي الهواءُ بدليلٍ على قوّة المفاجأة


ستأتي المرأة بأخطاءٍ شبيهةٍ بموتٍ جرّاء


حياةٍ عاجلة


وسيأتي الرجلُ بإدانة فورية







14


كل ما سيحدثُ


سيكونُ قد حدث بالفعل


لا وقت ليعرفَ القتيلُ عن هذا كلِّه


إنّه جميلٌ كما لو مارس طوالَ حياته


السقوطَ الحرّ بالمظلات


ولكنه فشل في اللحظة الأخيرة


باختبار مادة الهواء







15


ما فعله لن يكون موتاً جمّاً


ولا حياةً سانحةً



سيكون بتعبيرٍ رواقيّ: تحليقٌ زائف لاختيار القمّة


من السفح







16


إن كان لا بدّ له أن يموت


فإنه سيموت من قلّة الفقد


أو الحياة بالمقلوب







17


النّظر إلى النار


إلى مادتها بالتحديد


إلى ملائكةٍ محاصرين


في ملاجيء غير حصينةٍ


يعطّلون النظرةَ


حتى لا تتقدم أمامهم



النّظر إلى نهايات مؤكدة


حيث لا يمكن لاحدٍ أن يتأخرَ


أو يذهبَ في طريقٍ آخر







18


الأشياءُ التي حدثت بالفعل


أو تلك التي لم تحدثْ بعد


سنتذكرُ بعضها بقليلٍ من الطيش


وبمرارةٍ أحيانا


ودائما ستكونُ حقيقيةً لدرجة أنها ستحدث مرّةً أخرى


حتى وإن لم تكن حدثت في الواقع


سنقول عنها بضعة أمور


ثمّ لا نتذكّر شيئاً مما نقوله


لأنها ستحدث سواء فكرنا بها مليّاً


أم لم نفكّرْ إطلاقاً


أشياء مؤجلةٍ أو معطّلةٍ كحرب لم تخرج من قوّتها


ولكنها تنشبُ دائما







19


دخانٌ


هواءٌ مركّب


صوابٌ مخلوط


جريحٌ ما زال في الأرض الحرام


أعرفه بالاسم


كان يفضّل كامو على سارتر


ومع هذا لم يمتْ في حادثةِ سَيْرٍ


أو جريمةٍ مقيّدةٍ ضدّ مجهول


يفضّل سيزيف على ديكارت


ويتحدّث عن الوقيعة


عن رجلٍ عطّلته الحرب


عن جنودٍ بلا غيب


عن مسيحٍ مؤنث


عن حادثةِ سَيْرٍ سيخرج منها بجرحٍ سطحيّ


كان يشعر بخيبةٍ جراء ما سيحدثُ له


فلقد كان يفضّل كامو على سيزيف


ومع هذا سيتذكّر أن شيئاً شبيهاً حدث من قبل


وسيكون عليه أن يموتَ بالفعل


قبل أن يخرجَ


من الأرضِ الحرام







20


ما الذي تنظرُ إليه


تطلّعْ إليّ


سندركُ الفائتَ


نعودُ به إلى مستعمراتٍ صغيرةٍ


من الضالعين بالزوال


لا تنظرْ إليهم


فسوف لن تعتادَ على هذا أبداً


إنهم يصوّبونَ نحوك


وستعودُ كما عرفتك لأولِ مرّةٍ


كائناً جوفيّاً







21


هل تتذكّرُ أنكَ قلتَ ذلك؟


تتذكّرُ ما كان سيحدث لولا أن (جاسم مانع)


سردَ علينا امرأةً


ظهرت أمامهُ فجأةً


في الأرضِ الحرام







22


نتحدثُ عن البلاد



نقفُ على مسافةٍ واحدة من الكناياتِ الكثيرة التي تمنحُها


صورةُ كائنٍ خرج على نفسِه


ماذا سيفعل الناجونَ


أحدهم سيخرج على نفسِه أيضاً


نتحدث عن البلادِ وكأنها تمرين نفسيّ


كم مرّة سنبدأ من جديدٍ


ما يحدث محاولة غير قابلةٍ للتفسير


على الرغم من أننا


نقف على مسافة واحدة


غير أنّ لا أحد سيصل







23


أكمنٌ فيّ


أتعقّبني وأنا أدخلُ الملجأ


وأعود بحياةٍ أخرى


وأحياناً لا أعود بشيء


أتركُني هناك


وأتطلعُ إليّ من مكانٍ آخر


أحدنا سيدخل الملجأ ولا يخرج بشيءٍ


أما الآخر فسيخرج بعدمِه







24


سنتذرّعُ بالكتابةِ إلى آباءَ لا يدركون ما نفعله في الخارج


تأملاتنا شبيهةٌ بماءِ الضّحك


لا نجد مكاناً نسقط فيه


نشغل الحربَ بحياةٍ عاجلةٍ


ونتحدث إلى أصدقاء لم ينتشلهم أحدٌ


نبتكر حِيَلاً جديدةً لنجعلَ النظرة تتجوّل طليقةً


ثمّ نقول لا بأس


نخرجُ من الحربِ بأفعالٍ لا تصلح للتأمل


نتردّد على المدينة كما لو أن أحدنا سيختفي في أية لحظة


وأحياناً لا نعود


فيموت الآباء


بلا رسائل







25


نتفقّد بعضنا


مَنْ سيكون الآخر


هناك دائماً أحد ما ننظر إليه للمرّةِ الأخيرة


نبتسمُ ونتحدّثُ عن نساء بقاماتٍ شاهقة


يتجولن وحيداتٍ في رؤوسنا


وفي يد كلّ واحدة منهنّ غزالة عمياء


تذهبُ بها إلى نبعٍ غير مرئيّ في نهاية الحرب


ودائماً ما تكون هناك امرأةٌ


لا تعرف ما تفعل بغزالتها


امرأة طويلةٌ كالحرب


أو مثل تفّاحةٍ جوفيّةٍ


تبتسم قليلاً


وقد لا نلحظ أنها ابتسمت حقّاً


أمرأة تتجوّل وحيدةً


ولا تعود بشيء







26


من ملجئه


يبعث رسائل عاجلةٍ إلى الله


يتحدّث فيها عن حربٍ محجوبة


ورجلٍ ضلّله في كمين عام 1990


وعاد ليقول شيئاً ما عن المرأة التي لن تكون زوجته


أبداً


رسائلَ عاجلة دائماً


وأحياناً يكتفي بإشاراتٍ متّفقٍ عليها


كلّ شيء يصل بلا تأخير


الرسائل تصل


وحتما سيقرّر الله في شأنها بضعة أشياء ..


الإشاراتُ، سيردّ عليها بإشاراتٍ مماثلةٍ


ولأنه كريمٌ وواسعُ الحيلة


سيحرّك يديه الواسعتين طوالَ الوقت


الرجل الذي ضلّله في كمينٍ


سيدرك متأخراً بعد أن يكون فرّط بفرصته الوحيدة


أنه لن يبلغَ الطرفَ الآخر من الحرب


المرأةُ التي لن تكونَ زوجته


سيتعرّف عليها بعد عودته من الحرب في إجازةٍ قصيرة


وستحبّ كثيراً رسائله العاجلة


ولأنه بسيطٌ كالصيف


وليس واسع الحيلة


فسيمنحها معرفته وإشاراته


فتبدأ على الفور بكتابة رسائل منمقة


وطويلة من غرفة نومها إلى الله


وستخاطبه بإشاراتٍ متفقٍ عليها


ولأنه كريم وواسع الحيلة دائماً


سيدعو الرجل إلى مائدته


ويتفرّغ للمرأة التي لن تكون زوجته أبداً







27


تتذكّرنا الحرب


وتقلّبنا في رأسها


كما يتذكّر الهواء الرئات التي اعتقلته على غير رغبة منه


وكما يتذكّر الماء ما يفعله الجنود بحياته السائلة


تتعقّبنا الحرب بمهارةٍ فائقة


كما يتعقّب الخريفُ غابةً


ويحرصُ بنفسه على نزع آخر ورقةٍ


بل ولفرط إجادته لعمله


فإنه يعدّ المكان الذي ستسقط فيه


ولا يترك مجالاً للشكّ أو المصادفة


تربّتُ الحربُ على أكتافنا


حتى ننفرطَ


وبالطريقة نفسها ستغمرنا بحضورها


وربما ستصنع شجرةَ ميلادٍ هائلةٍ


لنتدلّى منها بالمقلوب


مضائين بالحياة السائلة لوقائع بيضاء







28


الحربُ أو الحياةُ بالمقلوبِ


فراسةُ النّهبِ


أو النّظرُ إلى الأبدية


من الأرضِ الحرام







29


يخرجُ ولا يجد أحداً في انتظاره


أو يدخلُ فيتعرّف على صورته بصعوبةٍ


وربما بمكيدةٍ مضادة


ولكنه سيتذكر بعض الأفعال الرائجة


وبعض أصدقائه الذين


ماتوا معه في حربٍ


سابقة







30


لم يكن صديقي صالح حسين اليساري


ولا يشبه ممدوح جاسم


أو حتى حسين بسحنته الواجمة


وليس بالطبع قيس سامي بيده التي تشبه منجنيقاً حيّاً


أو جواد بقامته الطويلة كالحرب الأولى


أو حسن طعمة بقامته القصيرة كالحرب الثانية


كان رجلاً آخر


ولفرط ما يبدو عليه من اختلاف


كان يفضّل أن ننفخَ حياته من أمامه


وأحيانا يفعل ذلك بنفسه


وبالخصوص عندما يكتشف


أننا لم نعد مرئيين بما يكفي


وإن الحرب نفخت حياتنا من أمامنا







31


العالم في الخارج


يشبه ما سوف لن نعرفه


عن تلك الكثافات المركزة


التي تحدث عنها ابن سينا


ولا يشبه كل ما سوف لن ندركه


من أفكار مركّبة


تقود إلى الشيء ذاته


العالم في الخارج


كثير بنفسه







32


رغم أنّه شيءٌ لن يحدثَ أبداً


ولكننا سنعرفه


وربما نكون بالفعل عرفناه ذات مرةٍ


من غير أن ندركَ ذلك


لأن ما سوف لن نعرفَه


يحدث في الغالب بطرقٍ أخرى


إنها حاجة إلى المناورة


وإلى تحديد ماهيّة الكلام


عندما لا يقول نفسه


أو يرسل شبيهه إلى حفلة تنكرية


لن يعود منها حيّاً .







33


لقد عاد حيّاً مرة أخرى


إنه أمر يدعو إلى الريبة،


أليس كذلك ؟


فعل كل ما بوسعه


ولم يحدث العكس


حرّك النائم من مكانه


فرّغ الحب من ذخيرته


فتح الباب ولم يكن أحد خلفه


عاد بالكتاب إلى قوّته


وبالواقف إلى ثباته


دعه وشأنه


لن يحدث العكس مرّة أخرى


ولا أحد سيتمكن من استعادة


ما لم يعشه .