الاثنين، أغسطس 09، 2010

ميرا ميرا

(حتى لا يموت خضير النزيل في مكيدة هندية)


ـ إذا تعلمتك الميرا ميرا، عندها فقط ستدرك أنك لم تكن حيّا.
ـ لم أسمع بها من قبل.
ـ لا بأس، لأنها ليست محض رقصة أو عروج يمكن تعلّمه، بل هي كائن أثيريّ يختار من يحلّ فيه بصرامة، ولن تتقنها قبل أن تحلّ فيك، تذكّر هذا.
إنها تختارك، تختار بدنك، تفركه، تمارس حلولها عميقا في أحشائك، عندها ستجد أنّك أصبحت بساقين أثيريتين، ستعانق عدمك يا صديقي.
كان يتحدّث معي وكأنه يفشي سرّا، بل حدست أنه مكلّف بإفشاء السرّ بعد أن تمّ اختياري بالفعل .
أصغِ إليّ ـ قال مواصلا كلامه وهو يرتشف شايا عشبيا لزجا ـ
ـ الميرا ميرا هي من تتعلّمك،
هذه هي المفارقة.. رقصة تختارك وتتعلّمك وتعبر قوسها الأثيري لتحلّ فيك، لا تحتاج إلى أن تتعلمها.. لا تحتاج إلى ذلك أبدا .
ـ وكيف سأعرف أنها اختارتني
ـ عندما تحلّ في بدنك، ستنهض بك وستجد أنك تحنّ إلى ملامسة الأرض بقدميك.
ـ وكم تحتاج من الوقت لتفعل بي كل هذا ؟
ـ لن يستغرق الأمر طويلا ، إنها لحظات، قد تكون منشغلا بأعداد القهوة وقبل أن تجلس إلى الطاولة تكون الميرا ميرا قد تمكّنت منك وتعلّمتك.
ـ أنها كائن إذا، رجل مثلا !
حاولت أن أقول ( رجل ) ثانية بطريقة تبدو تأكيدية وحاسمة .
ـ الميرا ميرا كلمات تامّات، كان كهنة مردوخ يكتبونها بنقيع أشجار الآلهة في إناء نذري ويسقونها ملوك الكلدان أثناء احتضارهم ليتمكّنوا من عبور برازخهم..
وفي إحدى المرات ناول كبير الكهنة النقيع الربوبي للملك بعد فوات الأوان ، فلم يكتمل موته ولا عروجه، وبقي يتقلّب بين البرازخ طويلا، ومنذ ذلك اليوم وملك الكلدان صار مزيجا من الميرا ميرا وموت غير مكتمل يبحث عن جسد يحلّ فيه ويتعلّمه حتى يعبر أقواسه ويصعد إلى برزخه الأبدي .
كان يتحدّث بين رشفات شايه اللزج، وكلّما قال ( ميرا ميرا ) قذف بيديه في الهواء وأعادهما ببطء إلى الطاولة .
لم يكن الأمر غريبا، فلقد كان الأب يوسف أمينا ولسنوات على مكتبة دير الآباء الكرمليين ، ولطالما نسخ من مخطوطاتها المدوّنة بالحرف السرياني وأحتفظ بها في بيته برصافة بغداد .
ـ أنها من الدائرة التي أعدّها العارف الربّاني ( يونس بن شمويل ) للملك ابجر الأسود ،
أردف الأب وهو مازال يلوّح بيديه وكأنه يقشّر الهواء حول وجهي ويحمل مخطوطا صغيرًا بأوراق ممهورة بعلامة الهلال، تتقاطع الدائرة في نقطة الكاف، يا إلهي كيف سالت النقطة من الألف، النقطة دم الألف. من هنا مرّت الميرا ميرا وهنا وقفت على ميتة الملك وكلّما أرادت أن تكتمل لتصعد منعها البرزخ الجسماني .
قالها بهدوء وهو يشير إلى خطوط قوسية حمراء، ثمّ تابع : ستدور طويلا حول محيط الدائرة، ولكنها لم تبتعد أكثر، عليها أن تخرج، عليها أن تخرج الآن.
اتجهتُ نحو النافذة، فتحت الستائر على سعتها ليدخل ضوء أيلول إلى الصالة، ثمّ قلت وكأنني أفشي سرّا:
أنها سيارة صفراء، صفراء قليلا ربما،
واستدركت سريعا، صفراء أو أنها تبدو صفراء، لا بأس، لن تكون صفراء أكثر مما هي عليه الآن..
كان الأب يوسف يقف على الطاولة ويتطلّع إليّ ذاهلا ، وربما ببلادة ، لم أعد أعرف حقّا،
ولكنه احتاج أخيرا إلى إن يقفز ليلمس طرف بنطالي