الاثنين، أغسطس 09، 2010

حدائق معطوبة

( MSN )

ـ أنت ؟

ـ نعم أنا.
ـ أنا إيمّا ، تتذكّرني، أليس كذلك ؟
ـ إيمّا ؟ لا أتذكّر أنني تعرّفت على امرأة بهذا الاسم .
ـ ولكنّني إيمّا موظفة البنك ، المرأة اللزجة كالبطم البرّي كما سمّيتني في آخر مرة وأنت تضحك .
ـ أسف سيدتي ، حقا لا أتذكر أنني صادفت امرأة بهذا الاسم ، وعليّ أن أؤكد لك أن هناك ما يجب توضيحه ، فانا لم أعرف موظفة بنك من قبل .
ـ وكيف تحادثني الآن إنْ لم تكن تعرفني جيدا للدرجة التي لم تتردّد في إضافة اسمي ؟
ـ سيدتي ، لم أدخل إلى (الماسنجر) منذ أربع سنوات ونسيت الكثير من أصدقاء تلك الأيام .
ـ ولكنني إيمّا ، إيمّا التي حدّثتها عن شاحنة مليئة بملائكة مدجّجين ببنادق قديمة ، كانوا يأتون المدينة بحافلات ويطلقون النار على المارة.

ـ نعم ، أعرف هذه القصة ، كتبتها منذ أحد عشر عاما ، ولكنني لا أعرف إيمّا التي تعرف ملائكتي!!
ـ إيمّا يا سيدي ، أقسم أنني إيمّا ، المرأة التي صدّقت أن الظلال البيضاء الشاحبة ليست سوى رجال بدون قبّعات يطيرون عاليا من أجل أن يرسموا خرائط بوحدات قياسية حقيقية .
ـ إيمّا ؟ ، إيمّا ؟ .. أين يجب أن أكون قد التقيتك ؟
ـ في مقهى "انشتاين" ، وقلت لي بعد نصف ساعة : أيتها الطويلة والناحلة ، سأحدّثـك عن أنساب النخيل والسدر .
ـ إيمّا هل يجب أن أصدقك ؟
ـ أرجوك، عليك أن تصدّقني. منذ سنوات وأنا أترقب دخولك ، تذكّر إيمّا ، تذكّرها أرجوك . أخبرتها ذات يوم وأنت تلوّح بيدك وكأنك تحكّ الهواء أمام وجهك أنّ ابن سينا مات منتحرًا. هل تتذكّر ذلك ؟ كنت قد انتهيت للتوّ من قراءة رسالة الطير .
ـ نعم أتذكّر إنني صرتُ مقتنعا تماما إنّ ابن سينا مات منتحرًا ، حدث هذا بعد أن أتممت رسالة الطير كما حققتها دار برل عام 1899 ، ولكن لا أتذكر أنني تحدثت مع أحد بهذا أبدا . من أنتِ بحقّ السماء ، أنا لا أعرف إيمّا ، لم يسبق لي أن دخلت مقهى "انشتاين" من قبل .
ـ لا تقل ذلك ، لا تحتاج إلى أكثر من أن تكون مهذّبا وأنت ترفضني وأعدك بأنك لن تضطرّ إلى سماعي ثانية .

ـ آسف يا سيّدتي، أريد أن أتذكر أنني عرفتك، سيسعدني هذا كثيرًا، ولكن يجب أن تغفري لي وأنا ارددّ عليك إنني لم اعرف امرأة بهذا الاسم من قبل.
ـ يا الهي... كم كنت أريد أن تدعني وشأني، كنت أريد ذلك حقا. ولكنك تستيقظ في اللحظة التي أكون فيها مستعدة تماما لنسيانك. إنني إيمّا ، اقسم أنني هي ، إيمّا المرأة الطويلة والناحلة ، المرأة التي أخبرتها وأنت تعلّق معطفك بأنها جادة : أنت جادة كرصاصة من مسافة نصف متر يا إيمّا .
ـ ماذا يجب عليّ أن أفعل الآن يا سيدتي ؟
ـ لاشيء، لا شيء. كنت أريدك أن تعرف إيمّا وحسب . أن تتذكّرها ، أن تقودها كما كنت تفعل قبل أربعة أعوام ، أن تقول لها كلّما حدّثتك عن الصيف : إيمّا ، من الأفضل أنْ نتفرّس في الصيف عن قرب لا أن نتذكّره ببلاغة عاطلة .

ـ يجب أن أعترف أن كل ما أسمعه الآن هو ما أفكر فيه وأردّده، ولكن ألا يُحتمل أن يكون رجلا آخر يعرفني عن قرب أو يفعل أشياء لا أفهمها ليشبهني أمامك ؟
ـ آه يا سيّدي، أنه الشبيه مرة أخرى، الشبيه الذي قلت عنه ذات يوم أنه مخلوق لم يسبق لك وأن عرفته عن قرب، ولكنه ينجح دائما في جعلك تحمل الفأس وتنظر إلى الشجرة بغضب. بيد أن الأمر مختلف هذه المرة ، لأنني إيمّا . المرأة التي حدّثتك عن محاولة محكمة لتنهي حياتها . أعرف أنك لم تصدّقها ، ليس لأنها إيمّا يا سيدي ، ولكنك كنت ستفقد امرأة تعرّفت عليها في مقهى انشتاين وبعد نصف ساعة قلت لها : أيّـتها الطويلة والناحلة ، لا يجب أن تموتي قبلي . ولكنني فعلتها .

ـ ماذا فعلت يا إيما ؟
ـ المؤامرة المحكمة التي حدّثتك عنها . لقد نجحت أخيرا .
ـ أية مؤامرة تعنين ؟
ـ إنهاء حياتي.

ـ لا يبدو ذلك. ها أنت معي الآن بعد أربع سنوات على لقائنا الأول في مقهى "انشتاين" التي لم أعرفها من قبل .
ـ ليس الأمر كذلك يا سيّدي، لقد نجحتُ أخيرا، احتجت إلى أن أقتل جميع الأماكن لأقتلك. وأكثر من كل ّهذا احتجت إلى أن أكون طويلة وناحلة بما يكفي لأقنعك بالموت معي.
ـ وليس هذا صحيح أيضا يا إيمّا .. ها أنا بعد سنوات من حديثي الذي لم أخبر أحدا به عن رجال بلا قبعات يطيرون عاليا أراقب رواد المقهى بسحناتهم المتشابهة والمارة الضجرين وهم يعبرون الشارع بخطى متثاقلة.
ـ ولكنني لم أمت بمفردي، لقد تأكدت من موتك تماما قبل أن انهي حياتي. كانت رغبتك في أن تموت قبلي ممزقا كفريسة ، لا يجب عليك أن تنكر، كنت سعيدا بموتك ولم تحاول أن تردّد جملة أخرى سوى: إيمّا، الحياة ليست سوى حدائق معطوبة، معطوبة يا إيمّا .
حاولتُ كثيرا أن أحثك على أن تقول شيئا آخر، ولكنك كنت تردّد بلا توقّف : حدائق معطوبة يا إيمّا .
ـ كم مضى من الوقت على موتنا ؟

ـ أنها سنوات، لم أعد أشعر برغبة في إحصائها ولكنني أعرف الآن أنّه في ذات اليوم الذي قلت فيه: لماذا يجب علينا أن نعيش أكثر بكثير من حاجتنا إلى الحياة ؟
ـ أنت جادة مثل رصاصة
من مسافة نصف متر
يا إيمّا














4 ـ فبراير 2006