الاثنين، أغسطس 09، 2010

درّاجــــة

1



خارجًا.. في الحديقة كان يربطها من مقودها الذي يشبه قرن ثور خرج للتوّ من قيثارهِ العتيد, وبِوَرع يشبه رجلا يستعيد رائحة فقدها مع خاتم سقط ذات مرة من إصبعه في البئر .
كان يتطلّع إلى مقعدها الجلدي المعقوف وحافاته التي بدأت تتهرأ ... إنها تقف هناك , تتوحّد في صمتها, وكلّما لمس قرنها القيثاري سمع صوت نحيب قديم, وإذا أراد أن يضع حملا على مقعدها الخلفي تهجس روحه أنينا خافتا ... فيجفل
2


بمحاذاة رصيف مرتفع كان يسلك بدراجته الطريق, حين تنبّه فجأة إلى أن جسدها صار أكثر امتشاقا وسرّية من جسد امرأة فرغت للتوّ من رشّ آخر طاسة ماء خلف زوجها الذي غاب منذ سنتين في البعيد .
ارتعد ... توقّف بغتة , ومن قرنها القيثاري صعد بها الرصيف إلى شارع جانبيّ .. وصار يصغي إلى صمتها .


3


في المساء حينما تفرّقت العائلة إلى أسرّتها وغرفها , قادها إلى الداخل وأخذ يرمقها بوجل, ملس بيد مرتجفة على بدنها الممشوق, على دولابيها المحزّزين , على قرنها وجرسها الذي لم ينقطع عن رنينه منذ أزل بعيد .
وحين بدأ يستشعر الحرارة تدبّ في يده.. أرتجف مرّة أخرى وتذكّر حشدا كبيرا من نساء غامضات, يرفعن طاسات الغيب ويقذفنها خلف أزواجهن, الذين لم يكفّوا بعد عن غيابهم ..

4


في اليوم التالي قرّر أن لا يحمّلها أثقالا إضافية, وأن يتخفّف بدوره من كل شيء عدا ما يلبسه في العادة .
ومع كل ذلك صار يهجس أنينها بقلبه ...ولطالما حاول قرنها القيثاري أن ينحرف به حيث يسيل نهر جارف من السيارات المسرعة, فتدوّي الأبواق منذرة بالخطر, فيحملها من جسدها بحياء وكأنه يعتذر إليها .. فيتوثّب قرنها بحركة مباغتة .
أطرق مليّا .. ثمّ رفع رأسه وفكّر: ( سوى طاسات الغيب ثمّة روح امرأة تمارس حلولها العنيد في دراجته) .....


5
من وحدته الحادة كسكين تطلّع طيلة الليل إلى القرنين القيثاريين و هما ينسدلان على هيئة خصل من شعر فاحم .. إلى الجسد وهو يغادر نفسه باتجاه الأنثى التي تكمن فيه .. إلى الدولابين المحزّزين وهما يلامسان الأرض كقدمين خفيفتين، كان ساكنا مثل خاتم في مغارة قديمة ...
ثانية تطلّع إلى امرأته وهي ترفع خصلاتها الطويلة الفاحمة وتقف بموازاة الحائط بجسدها المشدود وهتافها الباطني الغامض .


6


مذهولة تفرّست فيه وهو يقرفص في زاوية معتمة , ثمّ جالت ببصرها سريعا في البيت .. في سقفه المرتفع , وجدرانه الجصّية , في لوحة غرافيكيّة لـ "فائق حسين" وعذابات شخوصه ...ثمّ فكّرت بالشبه الخارق بين الرجل الذي يرمقها ساكنا من وحدته وبين أحد شخوص "فائق", و بحركة عصبيّة هذه المرّة رفعت آخر خصلة شعر عن وجهها.
7
بعد يومين تذكّر انّه فاجأها بنسيانه .
أنّه قال لها وهو يئنّ مثل قدح أفرغ مئات المرات من مائه : يا مائي ويا قدحي
تذكّر أنّه قال لها وهي تغادره إلى الخارج : أعبري إليّ ولو بمحض غيابك
تذكّر وهي تذوب في البعيد أنّه رفع بيديه طاسة خلاص مليئة بالماء ورمى بها خلف غيابها.