الاثنين، أغسطس 09، 2010

رؤيا ( Heren straat )

لا أحد سيعرف ماذا حلّ بحلمي الأخير، لأنني ربما سأموت قبل إن استيقظ من نومي..
بادرني رجل يبدو في نهاية العقد السابع بهذا الكلام بعد أن رآني أتطلّع إلى عليّة صيدلية ( هوخينس ) في شارع هيرن سترات .
أنها ليست حبكة قصصية، ولا يرتبط الأمر بكتابة نصّ أدبي جديد، بل برجل كان يحدّق بي من مقعد مجاور في شارع هيرن سترات ويحاول تبديد أوراق الأكاسيا التي تجمعت أمام مقعده الخشبي وهو يقول ببطء :
أنها ليست حقيقية، وكذلك الريح التي تدفعها باتجاه شارع ( كوك شورن ) لأنها لا تحدث إلا في حلمي ..
أنت أيضا ( قالها وهو يشير إليّ بعصاه ) لست حقيقيا إلا بالقدر الذي يمتدّ فيه زمن حلمي، بوسعك أن تغادر، لا بأس، غادر الآن إن أردت، ثم قال بلهجة آمرة : ( غادرْ )، وأردف بعد هنيهة صمت: لكنك لن تبتعد، لأنني وببساطة شديدة لم استيقظ من نومي بعد.
أنا من منحك هذا الجسد الذي يبدو أنك لم تعتد عليه، ولكن لا بأس أيضا، لأنه لن يكون جسدك خارج هذه الرؤيا، وكذلك لأنني سأمنحه إلى كائن آخر في رؤيا جديدة.
لماذا تبدو مأخوذًا على هذا النحو ؟
لا يمكنك ذلك، فأنت لست سوى عرض من أعراض حلمي وستزول بمجرد أن استيقظ، لست جوهرا لتكون واجما ومتفكّرا وكأنك ستدخل ـ تلمّسا ـ أحلامي كلّها..
أنظر إلى رقم الهاتف على واجهة الصيدلية، أنه جوهر .. الأعداد جواهر لأنها تقوم بنفسها، فالواحد جوهر مستقل بذاته ، تطلّع إلى قامته المنتصبة ولن تحتاج إلى مقولات الفيض والصدور لتدرك أن الأشياء خرجت منه في نزهة كونيّة وضلّت طريقها إليه .
جرّب أن تتّصل عليه، جرّب، أريدك أن تفعل ذلك الآن، لن يكون في الصيدلية سواي، لأن هذا الرقم سيُمعن في تحوّله في كلّ مرة تنظر إليه..
هذا هو الفرق، فأنت لست موجودا بنفسك، أنا علّة وجودك
أنت معلول ضعيف، تحتاج إلى حلمي لتشعر به.
أصدقاؤك ليسوا في حقيقة الأمر سوى أشخاص مروّا بحياتي، بعضهم مكث فيها طويلا على امتداد سنوات عمري، وبعضهم الآخر غادرها على عجل، وها أنا أستعيدهم كما أفعل دائما فيبدو الأمر وكأن ذاكرتك هي التي تفعل ذلك.
هل أخبرك بأسمائهم ؟
.. أشجارك، نساؤك، صوتك، الهواء الذي يعبرك الآن، يومياتك التي تعكف على كتابتها، فيليب، رونالد، انكريد، ضاري، قدح، كوثر، مدى، خرائطك، نباتاتك، هاتفك.
آه .... هاتفك
هل تعتقد أنه هاتفك حقّا ؟
أنه هاتفي، هاتفي أنا،
سيتّصل أحدهم الآن
هل أقول لك شيئا ؟
أنت تفكّر بنفسك، ماذا سيحلّ بك إذا لم استيقظ من نومي، ماذا سيحلّ بحلمي الأخير..
في هذه اللحظة تماما رنّ هاتفي ، التفتُ ناحية الرجل، كان ما يزال يبدّد أوراق الأكاسيا بعصاه، رفع رأسه ببطء وهو يتمتم بصوت خفيض :
أخبره أنني لم أعد حيّا .










21 أغسطس